All Writings
أبريل 9, 2014

عالقان في خلاف إيديولوجي

قد تعلّل الميزات المشتركة والخلافات الشديدة ما بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس سبب التوقف الحالي لمفاوضات السلام واحتمال عدم حدوث أي اختراق ما دام الإثنان في السلطة. ومن السخرية أنه في الوقت الذي تتوق فيه أغلبية الإسرائيليين والفلسطينيين للسلام، فقد أصبح نتنياهو، وبدرجة أيضاً ليست أقلّ منه، عباس العائقان الرئيسيان لأنهما بقيا مشدودين وبإحكام لبعض المعتقدات والإيديولوجيات التي فقدت منذ زمنٍ طويل استحقاقاتها وفضائلها.

كم من السّخف الإعتقاد أنّ جهود وزير الخارجية جون كيري قد تؤدي فعلاً إلى اتفاقية سلام على تسويات رئيسية، شاملة اللاجئين الفلسطينيين والقدس والأمن القومي والمستوطنات في حين لم يتمكّن نتنياهو وعباس من الإتفاق حتّى على إطلاق سراح حفنة من الأسرى الفلسطينيين مقابل تمديد مفاوضات السلام حتى نهاية العام الجاري؟

يدّعي نتنياهو بأنه إذا وافق على إطلاق سراح الأسرى قبل ضمان فترة تمديد المفاوضات ستنهار حكومته، وعباس يشعر بأنه إذا وافق على مطلب نتنياهو سيُتّهَم بأنه استسلم لمطالب غير واقعية تأتي من شخص يكرهه الفلسطينيون ولا يثقون به.

لا يجوز ولا يمكن لصراع تسبّب في هذا القدر الهائل من الألم والمعاناة والأرواح البشرية والخسائر المادية لأكثر من ستة عقود ونصف أن يستمر لأن نتنياهو وعباس على ما يبدو غير متفقين على تمديد المفاوضات الحالية. هذا من السخف فعلاً،إن لم يكن من الجنون!

وما هو حتى أكثر سخافة أن يطلب نتنياهو الآن من كيري ضمان إطلاق سراح الجاسوس المدان والمحكوم عليه، يوناثان بولارد، مقابل إطلاق سراح المزيد من الأسرى الفلسطينيين، وتمديد المفاوضات وأيضاً تجميد بناء وحدات سكنية جديدة في الضفة الغربية. ويا لها من سخرية، فكم من بولارد سنحتاج للتّوصل إلى اتفاقية؟

الحقيقة نادراً ما تكون غير صحيحة ومعقّدة، فنتنياهو لن يقدّم أية تنازلات ضرورية لأنه ببساطة غير ملتزم بالتّوصل لاتفاقية سلام على أساس دولتين لشعبين. وبالمقابل، عباس الذي يبدو أكثر التزاماً بالسلام، متمسّك بروايات قديمة وبالية من الأعوام الماضية مدركاً تماماً بأنه ببساطة ليس في وضعٍ يسمح له بالتنازل عن أية قضية مثل مبدأ حق العودة أو مستقبل القدس كعاصمة لدولتين، وهذه قضايا تمسّك بقدسيتها لعقود طويلة من الزمن.

وفي حين أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد اتخذ بشكل سليم الخطوة الأحادية الجانب للتقدم بطلب عضوية لخمسة عشر مؤسسة ومعاهدة دولية للضغط على إسرائيل، فقد قال بأنه ما زال ملتزماً بالمفاوضات ولكنه أبقى الباب مفتوحاً للإنضمام لمؤسسات ووكالات أمميّة أخرى، بما في ذلك محكمة الجنايات الدولية، في حال فشل المفاوضات، وهذه خطوة تخشاها إسرائيل على أشدّه.

يجب على كيري أن يفهم الآن استراتيجية هذا الزوج الغريب. نتنياهو بطبيعته إيديولوجي متشدّد غير مستعد للتنازل بعض الشيء عن معتقده بإسرائيل الكبرى التي ينبغي – حسب اعتقاده – أن تضم معظم أجزاء الضفة الغربية، ولهذا يجب عليه اللعب لكسب المزيد من الوقت، وهو يفعل ذلك بمهارة فائقة بالإعلان عن مطالبات يعلم جيداً بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لن يقبلها. نتنياهو مقتنع بأن بإمكانه أن يسير ضد التيار، معتقداً بأن إدارة أوباما لن تمارس بكلّ بساطة الضغط اللازم على إسرائيل خوفاً من الإنعكاسات في داخل الولايات المتحدة.

وعباس المسكين يداه مربوطتان خلف ظهره، أو هل من الأصح أن أقول بأنه طلب أن تكون يداه مربوطتين خلف ظهره؟ ليس بمقدوره أن يقوم بتنازل واحد، أكان ذلك على مستقبل القدس، أم اللاجئين الفلسطينيين أم المستوطنات .. وغيرها بدون أن ينفر أو يغضب شريحة أو فصيل ما من الفلسطينيين، هذا إلاّ إذا انتزع أولاً تنازلات جوهريّة من نتنياهو.

لا يتمتّع عباس بالدعم الكامل من الدول العربية، وحماس له بالمرصاد والشعب الفلسطيني مقسوم على نفسه والعديد من الفلسطينيين يشعر بأنّ عبّاس يفتقر إلى الشرعية. ولذا فخيارات عباس محدودة وليس هناك بين القياديين الفلسطينيين من يستطيع الوثوق به، كما وليس له بالتأكيد خلف ظاهر.

أنظر كم سيكون الفرق لو كان لديك زعيمان ملتزمان فعلاً وكلياً بالتوصل لاتفاقية على أساس الخيار الحيوي الوحيد، وهو حلّ الدولتين لشعبين؟ لو كان الأمر كذلك، لجلس نتنياهو وعباس مع كبار مستشاريهما لفترة أسابيع أو أشهر معدودة وعملا كلّ ما يلزم لصياغة اتفاقية تلبّي المتطلبات اللازمة لصنع السلام. ويخرج الطرفان بعد ذلك وفي نفس الوقت لمواجهة شعبيهما و يصرخان بصوتٍ عالٍ وبكل وضوح: علينا نحن الطرفين أن نقوم بتنازلات هامة، كلّ من ناحيته، مهما كانت هذه التنازلات مؤلمة. ولكن الزعيمين، وبكل بساطة، عاجزان وغير راغبان في فعل ذلك.

ونتيجة عسرهما سيفوق الثمن الذي سيدفعه كلا الجانبين ما يمكن أن يتخيّله كلّ منهما في أسوأ كابوس لهما. سيموت العديد من الإسرائيليين لحماية أنفسهم وسيفضل العشرات من الفلسطينيين أيضاً الموت على استمرار الإذلال والإستسلام واليأس.

حان الوقت لجون كيري أن يقرأ لنتنياهو وعباس حقوقهما، فالولايات المتحدة لا تستطيع إصلاح هذين الزعيمين، الأول برسالة توراتيّة متشدّدة، والآخر على رأس قاعدة سياسيّة ضحلة متجمدة زمنا ً ومكانا ً.

لكيري خياران: الأول، أن يترك الإسرائيليين والفلسطينيين لمصيرهما ويدعهما يتبادلان اللكمات لعقد ٍ آخر من الزّمن أو لعقدين حتى يصلا لنقطة الإعياء، وفي هذه الحالة يجازف بعواقب إقليمية خطيرة. والخيار الثاني هو أن يقدّم لنتنياهو وعبّاس إطاره ويعطيهما مدّة عام للتوصّل لاتفاقيّة على أساس إمّا القبول بها أو تركها. وإذا فشلا في ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لسحب دعمها السياسي والمالي من كلا الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني على حدّ ٍ سواء. وكلّما أسرعت إدارة أوباما للتوصّل لهذا الإستنتاج يكون الأمر أسهل على الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن مرّة أخرى، يتطلّب هذا الأمر قيادة أمريكيّة شجاعة وصلبة. والمشكلة هنا أنّه ليس من المحتمل أن يتّخذ أوباما مثل هذا الموقف، وقد يكون علينا أن ننتظر بروز قادة جدد من الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، يكونوا ملتزمين فعلا ً بالسعي وراء السّلام لأنّ البديل كارثة قد لا يمكن تصوّرها.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE