All Writings
مارس 6, 2014

مخاطر إيران النووية

على ضوء الإحتمال القوي بأن إيران ستمتلك الأسلحة النووية، يجب أن يعتمد سبب وكيفية منعها من تحقيق هدفها على فرضية أن العواقب ستكون وخيمة عليها إذا هي حقّقت هدفها. هناك مخاطر متداخلة مع بعضها البعض لدول الخليج ولإسرائيل بشكلٍ خاصّ تشكلها إيران النووية، وهذه ذات شقّين: فيزيائية (مادية) وسيكولوجية (نفسية). وحيث أنه بالإمكان معادلة أو تحييد امتلاك إيران للأسلحة النووية بالرّدع والإحتواء، غير أن الناحية السيكولوجية (النفسية) ستبقى تُراوح في مكانها حيث أنها ستحمل دائماً درجة عالية من التشكّك وعدم اليقين. وهذان الشقان إن ترابطا معاً سيغيران بشكلٍ جذريّ الحسابات الجيوسياسية للدول في المنطقة وللقوى الخارجية أيضاً، وبشكلٍ خاصّ الولايات المتحدة الأمريكية التي لها مصالح استراتيجية هامة والتزامات أمنية لحلفائها في المنطقة.

القضية الأولى المقلقة هي انتشار الأسلحة النووية: لا شكّ أن امتلاك إيران للأسلحة النووية سيشجّع دولاً أخرى في الشرق الأوسط على الحذو حذوها بالرّغم من أنّ هناك إجماع واسع في الرأي بين العلماء والقادة السياسيين بأن إيران لن تستخدم مثل هذه الأسلحة ضد أي من خصومها لسببين: أ) لأنها تخشى ضربات نووية انتقامية من طرف الولايات المتحدة و/أو إسرائيل وهذه ستلحق أضراراً جسيمة بإيران و ب) امتلاك الأسلحة النووية يخدم مصالح إيران الإستراتيجية بشكلٍ أفضل من استخدامها الفعلي.

ولكن هذه كله، على أيّة حال، لا يقدّم اطمئناناً كافياً للدول التي تشعر بأنها مهدّدة من قِبَل إيران، مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي لا تمتلك أسلحة مماثلة. هذه الدول تنظر لإيران على أنها عدوّ دائم ولذا فهي لا تريد أن تعيش تحت مظلة تهديدٍ نووي. فإسرائيل، التي يُعتقد بأنها تمتلك قدرات نووية هائلة، ترغب في الإحتفاظ بتفوقها النووي ولا تستبعد احتمال أن تقوم الزمرة الدينية الحاكمة في إيران، بتشجيعٍ أو اندفاعٍ من قوى دينية، بالتفكير في استخدامها.

وبالنسبة للملكة العربية السعودية، فهذه قد تصبح على الأرجح الدولة الأولى التي ستسعى للحصول على أسلحة نووية تمتلكها دون الضرورة للدخول في عملية لتطوير برنامج نووي لأن السعودية بحاجة لامتلاك قدرات ردع نووية خلال فترة قصيرة جداً من الوقت إذا أصبحت إيران قوّة نووية. وللوصول إلى هذا الهدف، من المرجح أن يشتري السعوديون أسلحة نووية “جاهزة الصنع” من الدولة الإسلامية السنية، الشقيقة الباكستان. والمال على ما يبدو بالنسبة للسعوديين ليس مشكلة إذ أن بإمكانهم صرف مليار دولار أو مليارين لحيازة قدرات ردع نووية كاملة بمساعدة علماء وفنيين نوويين باكستانيين.

هذا يعني بأن انتشار الأسلحة النووية لن يكون مقتصراً على المملكة العربية السعودية، بل قد تحذو حذوها دول عربية أخرى مثل مصر، وبالأخصّ لأن مصر تسعى لاستعادة دورها القيادي التقليدي في العالم العربي وقد تفعل كلّ ما بوسعها لصدّ طموحات إيران في الهيمنة على المنطقة. لا مصر ولا المملكة العربية السعودية ولا إيران نفسها ستتردّد في الإنسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في حالة ما اتّضح بأن إيران تمتلك الأسلحة النووية.

القضية الثانية المقلقة هي أن إيران ستصبح القوة المهيمنة على المنطقة مجهّزة بأسلحة نووية تضعها في وضعٍ يرهب دول الخليج ويستأسد عليها لقبول إملاءاتها السياسية، فإيران متورطة في نشاطات مدمّرة في البحرين وغيرها من دول الخليج مثيرةً للشغب والقلاقل عن طريق الأقليّات الشيعية. وقد اكتسبت العداوة القديمة ما بين الدول السنية وإيران الشيعية زخماً أكبر الآن نتيجة الحروب الدائرة في العراق وسوريا والتي تخوض من خلالها إيران والمملكة العربية السعودية، مدعومة بدول خليجية أخرى، حرب وكالة ضد بعضها البعض.

والقضية الثالثة المقلقة هي احتمال الوقوع في خطأ في الحسابات: فبالنظر إلى الإضطرابات والثورات التي يمرّ بها الشرق الأوسط والتي من غير المرجح أن تخمد في وقتٍ قريب، فإن دول المنطقة ميّالة للخطأ في الحسابات، لا بل هي على حافة مثل هذا الخطأ. وإذا تبيّن بأن البقاء على قيد الحياة في خطر، فإن التوتر العالي يضيق من مجال التعامل بحذر والتدقيق في الأمور قبل اتخاذ القرارات، وتحت هذه الظروف يتصرّف الناس كما في جو من الأزمات يصبح فيه الوقت والإستعجال ذات أهمية كبرى وقرار اتخاذ إجراء فوري يهيمن على كلّ الإعتبارات. ولذا فإن ارتكاب خطأ في حساب نوايا العدو قد يؤدي إلى نتائج كارثية.

القضية الرابعة المقلقة هي احتمال وقوع بعض التركيبات النووية، مثلاً ما يسمّى بِ “القنابل القذرة” (وهذه عبارة عن اتحاد مواد مشعة مع متفجرات تقليدية) في الأيدي الخاطئة أو حتى تزويدها عمداً لمجموعات إسلامية متطرفة. هذا يعني كلّما زاد انتشار الأسلحة والمواد النووية في المنطقة، زاد معه خطر أن تقوم مثل هذه المجموعات باستخدام هذه المواد ضد أعدائها، بصرف النظر إن كانوا سنيّين أو شيعيّين أو إسرائيليين. فما يمكن تصوره أو تخيله هو أن تقوم إيران بتزويد مثل هذه الأسلحة لحزب الله لكي تردع بها إسرائيل من مهاجمة منشآتها النووية. أضف إلى ذلك، قد تقوم مجموعات إرهابية بسرقة مثل هذه الأسلحة. ولا يمكن استبعاد أيّ من هذه السيناريوهات لأن المملكة العربية السعودية ومصر ولربّما دول أخرى – كما ذكرت سابقاً – قد تنسحب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وستترك بدون عمليات تفتيش صارمة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. زد على ذلك، هناك العديد من المجموعات الجهادية، وبشكلٍ خاص القاعدة، التي لن تفوّت أية فرصة لوضع يدها على مثل هذه الأسلحة.

أما القضية الخامسة المقلقة فهي أن حيازة إيران للأسلحة النووية تتناقض مع الرغبة التي عبّر عنها المجتمع الدولي أكثر من مرّة والمتمثلة في جعل منطقة الشرق الأوسط معزولة من السلاح النووي. والنقطة هنا أنه باستثناء جنوب إفريقيا التي قامت بتفكيك أسلحتها النووية تحت ظروفٍ فريدة من نوعها، لم تقم بعدها أية دولة تمتلك أسلحة نووية بتفكيك مخزونها النووي أو التخلي عنه.

ومع انهيار الإتحاد السوفيتي أعادت عدّة دول شرقية حليفة لروسيا، مثل أوكرانيا وروسيا البيضاء (بيلاروس) وكازاخستان، أسلحتها النووية الموروثة إلى روسيا. وخلال العقد الماضي من الزمن قامت الولايات المتحدة وروسيا بتخفيض فقط لمخزونها النووي. وأما أحدث ثلاثة أعضاء في النادي النووي وهم كوريا الشمالية والباكستان والهند فهذه تقوم في الواقع بزيادة وتعزيز مخزونها من الأسلحة النووية.

المشكلة هنا أنه في حالة حيازة دول أخرى في الشرق الأوسط أسلحة نووية سيكون من المستحيل تقريباً تحرير المنطقة من هذه المستودعات المرعبة من الأسلحة. وبالفعل، إذا كانت الفكرة هي جعل الشرق الأوسط منطقة معزولة من الأسلحة النووية، فإن إضافة قوة نووية أخرى لا يتوافق بتاتاً مع هذا الهدف العام.

وأخيراً، فإن الدول المجهزّة بمخزون من الأسلحة النووية تميل إلى اتخاذ مخاطر أكبر وتتصرّف بتهوّر بسبب شعورها المتزايد بالحصانة. كوريا الشمالية تجسّد مثل هذا التّصرف وليس هناك سبب للإعتقاد بأن إيران ستتصرّف بشكلٍ مختلف. لقد هدّدت كوريا الشمالية في مناسبات عديدة شقيقتها كوريا الجنوبية وحاميها، ألا وهي الولايات المتحدة الأمريكية. هذا قد يؤدي إلى “حريق جديد هائل” بين الكوريتين سيورّط بشكلٍ شبه أكيد الولايات المتحدة، وهو سيناريو ممكن تطبيقه على الصراع القائم حالياً بين المملكة العربية السعودية وإيران أو بين إسرائيل وإيران.

وهناك من يتساءَل عن الأسباب التي تستدعي منع إيران من حيازة الأسلحة النووية في حين أن إسرائيل تمتلك – كما هو معروف – مخزوناً هائلاً من هذه الأسلحة. وبصرف النظر عن صحّة أو عدم صحّة هذا الجدل، فإسرائيل تشعر نفسها محاصرة. إنها مهدّدة بوجودها حاضراً ومستقبلاً من قِبل إيران وليس العكس. الدليل على ذلك أن إسرائيل مثلاً لم تكن قلقة عندما قامت الباكستان بتطوير أسلحتها النووية لأن الباكستان لم تهدّد يوماً إسرائيل بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.

يجب أن يُفهم هذا أيضاً في سياق مخاوف إسرائيل الشديدة حول أمنها القومي. فبالنظر للتجارب التاريخية، تأخذ إسرائيل أية تهديدات بوجودها بمنتهى الجدية ولن يوقفها أي شيء لإبطال مثل هذه التهديدات.

وبالرّغم من أن إسرائيل قد تبنّت طيلة الوقت سياسة الغموض النووي ولم تؤكد أو تنفي حتى الآن امتلاكها للأسلحة النووية، غير أنها ذكرت في عدّة مناسبات بأنها ستشارك في أي جهد لجعل الشرق الأوسط منطقة معزولة السلاح النووي في حالة التّوصل لسلامٍ شامل مع العالم العربي والإسلامي، بما في ذلك إيران، وبقاء هذا السلام ثابتاً لعدة سنوات لكي يتأصّل جسدياً ونفسياً بين شعوب المنطقة.

ولهذه الأسباب، من الضروري جداً أن تكون الاتفاقية بعيدة المدى – التي يتمّ التفاوض حولها في الوقت الحاضر بين الدول الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي وألمانيا من ناحية وإيران من الناحية الأخرى – محكمة تماماً وتستطيع أن تمنع إيران بجدارة من الحصول على سلاحٍ نووي مهما كان هذا الإحتمال بعيداً.

وللتأكيد، إن أصبحت إيران نووية فإنها ستعجّل من انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، الأمر الذي سيشكّل غيمة سوداء هائلة وراعدة تحوم حول المنطقة ولن يعلم أحد متى وأين ستضرب العاصفة المتجمعة. يجب أن تبقى كلّ دولة على قدرٍ عالٍ من الحيطة والحذر، وهذه أفضل وصفة لمنع الخطأ في الحسابات وحدوث فوضى بعواقب لا يمكن التنبؤ بها.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE