All Writings
يوليو 17, 2015

التغلّب على الحاجز النفسي- الإجتماعي بين الإسرائيليين والفلسطينيين

لا يعني الإلتزام المزعوم المُعلن من طرف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عبّاس بحلّ الدّولتين الشيء الكثير إلاّ إذا شرع كلّ منهما باتخاذ إجراءات لبناء الثقة لإظهار نواياهما الحقيقيّة. وحقيقة ً، حتى وأن آمنا فعلا ً بما يصرّحان به ويتفاوضان عليه للوصول إلى اتفاقيّة، فإنهما سيفشلان كما هو الحال في جميع مفاوضات السّلام السابقة، إلاّ إذا قاما أوّلا ً بتحضير شعوبهم من الناحية النفسيّة عند اتخاذ مثل هذه الخطوات والإجراءات. ويشير التقصير في ذلك فقط إلى العجز الهائل في التزامهما بتعايش سلمي. وينبغي ألاّ ينخدع أحد بخطاباتهما الجوفاء لأنّ السّلام لن يتحقّق بدون دعم وإشراك شعوبهما.

يحتاج الجيل الحالي من الشباب الإسرائيلي والفلسطيني أن يرى بعضهما البعض من خلال عدسات مختلفة وأن يتكيّفا من الناحية النفسيّة لقبول حتميّة التعايش السّلمي، وعليهما الإختيار ما بين العيش بعداء ٍ عنيف مستمرّ أو العيش بسلام.

إنّ الإتصال بين الطرفين مقصور ٌ في الوقت الخاضر على ما يرونه ضروريّا ً، شاملا ً التعاون الأمني والتصاريح للعمّال الفلسطينيين للعمل في إسرائيل. هذه اللقاءات المحدودة لا تسمح بتواصل اجتماعي وإنساني حرّ لمناقشة هموم وقضايا الشعبين الحقيقيّة أو تبادل الخبرات الشخصيّة التي تجمع الناس مع بعضها البعض.

سيعلمك أيّ شخص على اطلاع بالحياة اليوميّة للإسرائيليين والفلسطينيين بأن القولبة، وعدم الثقة المتبادلة والعداء هي الأكثر شيوعاً. فالفلسطينيّون ينظرون للإسرائيليين على أنهم قساة القلب، غير مكترثين وعازمين على حرمانهم من دولة فلسطينيّة خاصّة بهم. والإسرائيليون ينظرون للفلسطينيين على أنهم إرهابيّون ومصمّمون على محو إسرائيل من الخارطة.

هذا ما كانت تذيعه القيادة على كلا الجانبين بشكل ٍ مقصود ودارج عبر عشرات السنين، حيث انغرس هذا في نفسية شعوبهم. وفشل المفاوضات السابقة لم يعزّز سوى هذه المشاعر، الأمر الذي زاد من صعوبة القيام بالتنازلات اللازمة التي قد تقبلها شعوبهما.

هناك إجراءات عديدة يجب على الطرفين اتخاذها لتخفيف المعوّقات السيكولوجيّة التي فصلت شعوبهما لعقود من الزّمن. فإذا كانت القيادات تعتقد حقّا ً بأن عليها التوصّل أولا ً لاتفاقيّة سلام قبل أن تشجّع وتنفّذ مثل هذه الإجراءات التصالحيّة الشعبيّة العامة، تكون مضلّلة بشكل ٍ مُخادع وخطير.

بإمكان الحكومات الإسرائيليّة والفلسطينيّة والمجتمع المدني أن تلعب دورا ً بنّاء ً في تشكيل الرأي العام، شاملا ً ما يلي:

تعديل الكتب المدرسيّة لتعكس بصورة أدقّ الرواية الشعبيّة والتاريخيّة وتعترف بوجود وبحقوق كلا الطرفين. هذا وينبغي على الجانبين بشكل ٍ خاصّ تعديل مناهجهما المدرسيّة لتعكس وجود الطرف الآخر. وبالفعل، ما دامت مطالباتهما التاريخيّة والدينيّة على نفس الأرض باقية كما هي بدون تغيير، لن يكون هناك سوى تقدّم ضئيل.

السياحة المتبادلة: ينبغي أن يتمكّن آلاف الإسرائيليين والفلسطينيين من عبور الحواجز الأمنيّة في كلا الإتجاهين للتمتّع بيوم أو حتّى لبضعة ساعات بالأوضاع الإجتماعيّة لبعضهما البعض – مثلا ً الأكل في المطاعم، التجوّل في الأسواق والإختبار شخصيّا ً عن كثب كيف يعيش الطرف الآخر، كما كان الحال قبل الإنتفاضة الأولى.

النشاطات الرياضيّة المشتركة: بإمكان الفرق الرياضيّة الإسرائيليّة والفلسطينيّة في مجال كرة القدم وكرة السلّة وغيرها من الألعاب الرياضيّة، مثل فريق السّلام الإسرائيلي – الفلسطيني، أن تلتقي بالتناوب في إسرائيل وفلسطين للقيام بتدريبات أو مباريات وتنمية صداقة حميمة فيما بينها. ومن الضروري أن تشمل هذه النشاطات أيضا ً الفرق الوطنية والمهنيّة، الأمر الذي ينطوي عنه الإعتراف بالسيادة.

في مجالات أخرى من التواصل، بإمكان الحكومات أن تسهّل وتدعم ماديّا ً – عند الضرورة – نشاطات مشتركة ما بين المجتمع المدني والقطاعات الخاصّة على كلا الجانبين، شاملة:

التبادل والتواصل الطلابي: ينبغي تشجيع الطلبة الإسرائيليين والفلسطينيين (من المدارس الإبتدائيّة وحتى الجامعات) على التواصل والإختلاط مع أترابهم والتحدّث حول طموحاتهم وآمالهم في المستقبل وأن يكونوا أحرارا ً وغير مثقلين بالمجهول وعدم اليقين وبالصراع الدائم.

المعارض الفنيّة: هناك عشرات الفنانين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين لم يتقابلوا في حياتهم ولو مرّة واحدة ولم يخوضوا في عقليّة بعضهم البعض ليروا كيف تعكس أعمالهم نمط حياتهم. ولذا ينبغي على الحكومات أن تدعم ماديّا ً معارض مشتركة في إسرائيل وفلسطين وتسمح لها بالتجوال في عدّة مدن وعرض فنونها للشباب وكبار السنّ لكي يروا ويشعروا بما يحاول الطرف الآخر التعبير عنه من خلال فنّه.

الخطابات العامّة: ينبغي على الجامعات ومراكز البحوث والفكر وغيرها من المؤسسات التعليميّة أن تشجّع الإسرائيليين والفلسطينيين للمشاركة في حلقات نقاش الطاولة المستديرة والمحاضرات العامّة فيما يتعلّق بحتميّة التعايش ما بين الشعبين، الإسرائيلي والفلسطيني، والجعل من هذا التعايش ليس فقط قضيّة حتميّة بل أيضا ً قضيّة مرغوب ٌ فيها.

يجب عقد ندوات مشتركة لمناقشة القضايا المختلف عليها وتكون هذه مكوّنة من أفراد مؤهلين بخبرات أكاديميّة وشخصيّة متنوّعة ويتمتّعون بسمعة جيّدة في مجال تخصّصهم. وينبغي أن تكون هذه الشخصيّات من مفكّرين مستقلّين أحرار ليس لهم مراكز رسميّة في الحكومة ولديهم معرفة شاملة بالقضايا المختلف أو المتصارع عليها.

ينبغي على وسائل الإعلام الإسرائيليّة والفلسطينيّة أن تنشر بشكل ٍ منتظم تقارير حول التطورات الإيجابيّة ما بين الجانبين وأن تساهم مع الجماهير في ريح التغيير السياسيّة وتناقش كيفيّة التعاون في مجالات التجارة والأمن والرعاية الصحيّة ومشاريع مشتركة أخرى لخدمة المواطنين العاديين. وينبغي أن يشمل هذا أيضا ً إنتاج الأفلام السينمائيّة والبرامج التلفازيّة والمسرحيّات (بما فيها الكوميديّة) لكي تعكس هذه مدى ما للشعبين من قواسم مشتركة وتأثيرها الحضاري المتبادل في الطعام والموسيقى والكلمات والإصطلاحات المتقاطعة والقابلة للتبادل ما بين اللغتين العربيّة والعبريّة.

وأخيرا ً، النضال النسائي: ينبغي على المجتمع المدني أن يدعم الجهود الحاليّة للمجموعات النسائيّة مثل “نساء بالسّواد” و “نساء يخضن السّلام” للإستفادة من قوتهنّ الهائلة وجعل أصواتهنّ مسموعة. النّساء كنّ، من الناحية التاريخيّة، قويّات جدّا ً كصانعات سلام، وقد ثبت ذلك من خلال عدد ٍ من الصّراعات، شاملة إيرلندة الشّماليّة ودول البلقان.

هذه النشاطات وغيرها يجب أن تكون الرائد والسابق لأية مفاوضات سلام ٍ في المستقبل. أجل، حتّى وإن كان عقد مفاوضات السّلام حاليّا ً ليس في المستقبل القريب، فما دام التعايش السلمي حقيقة لا مفرّ منها، يجب على الحكومات الإسرائيليّة والفلسطينيّة والمجتمع المدني أن تشرع بعمليّة المصالحة هذه الآن وبدون تأخير وذلك لخلق الزّخم لمفاوضات ناجحة في المستقبل.

لن يحدث بالطّبع أيّ من هذا بدون بعض العقبات والمقاومة وحتّى أعمال التخريب المقصودة، حيث ما زال هناك دائرة كبيرة ومهمّة من الناخبين في كلا المعسكرين ترفض ببساطة حقّ الطرف الآخر في إقامة دولة أو حتّى في الوجود، ولكن هذه يمكن التغلّب عليها من خلال المثابرة والإصرار على تنفيذ هذه الإجراءات والخطوات.

وبالرغم من ذلك، إذا كانت القيادتان الإسرائيليّة والفلسطينيّة ملتزمتين حقّا ً بالتعايش السّلمي، هذه هي الطريقة الوحيدة التي بإمكانهما من خلالها إظهار فعلا ً التزامهما وتصميمهما على إنهاء الصّراع على أساس حلّ الدّولتين.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE