All Writings
مارس 20, 2014

مطلوب إحياء مبادرة السلام العربية الآن!

في الوقت الذي يعتزم فيه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على الكشف عن إطاره المقترح لاتفاقية سلام إسرائيلية – فلسطينية، قد لا يكون هناك فرصة أخرى سانحة أكثر من الآن لإعادة إحياء مبادرة السلام العربية لمساندة جهود جون كيري. لقد طرأ بالتأكيد تغيير جذري على الظروف الجيوسياسية في الشرق الأوسط منذ طرح مبادرة السلام العربية لأول مرّة في مؤتمر قمة جامعة الدول العربية المنعقد في بيروت /لبنان في عام 2002. وحتى لو بدا في الأمر تناقض، فإن مبادرة السلام العربية في هذه المرحلة بالذات من الثورات والاضطرابات التي تجتاح المنطقة قادرة أكثر من أي وقتٍ مضى على خلق زخمٍ جديد نحن في أمس الحاجة إليه للعملية السلمية.

لقد حثّ اجتماع وزراء خارجية الدول العربية المنعقد في القاهرة يوم 10 آذار/مارس على إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة بالتوافق مع مبادرة السلام العربية وأكّدوا مرّة أخرى على “الإلتزام العربي المتواصل بالمبادرة كخيار استراتيجي.”

وبالرّغم من إشارة الوزراء العرب إلى المبادرة على أنها خيار استراتيجي ودعوتهم لإنهاء الصراع على أساس حلّ الدولتين هو أمر إيجابي وضروري، فإن رفضهم الصّريح لإسرائيل كدولة يهودية أو مطالبتهم بضرورة أن تصبح القدس عاصمة الدولتين يغطي على كلّ شيء وقد يقوّض جهود كيري الشاقة. فبدلاً من إطلاق الشعارات القديمة بقالبٍ جديد وإلقاء مطالب جديدة على إسرائيل، كان بالحريّ على الدول العربية استغلال البرنامج أو الخطة التي تقدمها مبادرة السلام العربية للدفع بمفاوضات السلام إلى الأمام بدلاً من إقامة خطوط حمراء جديدة من شأنها فقط أن تصلّد كلا الموقفين، الإسرائيلي والفلسطيني.

قد تكون جهود كيري الرامية لدفع عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية نحو إبرام اتفاقية سلامٍ شامل المحاولة الأخيرة التي تقوم بها إدارة أوباما. فبالنظر إلى عدم استقرار المنطقة والتوتر المتنامي ما بين إيران والدول العربية، فإن لدى المملكة العربية السعودية ومصر بشكلٍ خاص مصالح من نوعٍ خاص للدفع باتجاه سلام إسرائيلي – فلسطيني وليستا بحاجة لحجب ذلك بروايات شعبية لا فائدة منها. وفيما يلي الأسباب:

أولاً: لم يعد الآن سراً بأن العلاقات بين الدول العربية سنيّة المذهب وإسرائيل أصبحت الآن أقرب من أي وقتٍ مضى بسبب التهديد المشترك الصادر من إيران المسلّحة بأسلحة نووية. فإسرائيل والدول العربية تتشاور مع بعضها البعض بهذا الشأن وتتبادل المعلومات الإستخباراتية حول إيران وتطور استراتيجية مشتركة للتعامل بفعالية مع برنامج إيران النووي. وحتّى لو خمدت حرب الوكالة الشيعية – السنية المشتعلة حالياً في العراق وسوريا (بتوجيه من إيران والمملكة العربية السعودية)، فإن الخصام التاريخي الطويل الأمد ما بين المذهبين لن يُسكّن بالهجوم الكاريزمي الحالي الذي يشنّه الرئيس الإيراني الحالي، فليس هناك حبّ ضائع بين الطرفين في حين أن قروناً من العداء والبغضاء ما زالت قائمة بنسبة عالية، الأمر الذي يجعل التقارب العربي – الإسرائيلي ليس فقط مرغوباً به، بل وحتى ضرورة استراتيجية.

ثانياً: وحيث أن جون كيري يستعد للكشف عن إطاره للسلام، فإن دعم الدول العربية بشكلٍ علني له بما يتماشى مع مبادرة السلام العربية (المتوافقة مع إطار كيري) سترسل رسالة قوية لكلا الطرفين، لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وللرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن العالم العربي بأكمله يقف وراء مبادرة كيري.

وبالنسبة للإسرائيليين، ستكون هذه رسالة إعادة تأكيد بأن الدول العربية أكثر من أي وقت مضى ملتزمة بدعم جهود السلام وتشجّع للوصول لحلّ وسط. وتدرك الحكومتان الإسرائيلية والفلسطينية بأن عليهما القيام بتنازلات جوهرية للوصول إلى اتفاقية. وهما تعلمان أيضاً بأنه وبصرف النظر عن الديناميات الإقليمية المتغيّرة والتي لا مفرّ منها في السنوات القادمة، غير أن التنازلات الأساسية اللازمة الآن للوصول إلى اتفاقية لن تتغيّر بشكلٍ جذري.

ثالثاً: بالنظر إلى الثورة في سوريا، لا حاجة لإسرائيل أن ترهق نفسها – على الأقلّ في هذه المرحلة بالذات – بمتطلبات مبادرة السلام العربية بخصوص الإنسحاب من مرتفعات الجولان، فقد كانت هذه إحدى العوائق الرئيسية الكامنة وراء رفض إسرائيل لاحتضان مبادرة السلام العربية في المقام الأول.

ومما يثير الإهتمام أن وزراء الخارجية العرب لم يشيروا لمرتفعات الجولان في بيانهم الرسمي الصادر من القاهرة في ختام اجتماعهم. وفي اجتماع سابق مع الوزير الأمريكي كيري في شهر أبريل /نيسان 2013 وافق وزراء الخارجية العرب على “عملية تبادل أراضي على نطاق ضيّق بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي” الأمر الذي يراه الإسرائيليون إيجابياً جداً.

أضف إلى ذلك، سيُنظر لسلامٍ إسرائلي – فلسطيني كمرحلة أخرى تجاه إقامة سلام عربي – إسرائيلي شامل على غرار معاهدات السلام المصرية والأردنية مع إسرائيل. وبالرّغم من التصريحات والإحتجاجات الشعبية المخالفة لذلك، فإن إسرائيل والدول العربية أمام مفترق طرق مصيري، وجهود كيري لصنع سلام إسرائيلي – فلسطيني تختلف عن أية محاولة مشابهة في الماضي.

الوقت هو أسوأ عدو لكلا الطرفين، فإذا فشلت المفاوضات الحالية على الفلسطينيين ألاّ يفترضوا بأن توجّههم للأمم المتحدة عن طريق الإنضمام لعدّة مؤسسات أو وكالات دولية متنوعة وطلب العدالة عن طريق محكمة الجنايات الدولية ستجلب لهم نهاية للإحتلال. يجب عليهم في نهاية المطاف أن يجلسوا وجهاً لوجه مع الإسرائيليين لإيجاد حلّ مقبول من الطرفين. وبالنسبة لإسرائيل، فإن الوضع أكثر تأزماً بسبب الديمغرافيات المتغيّرة فيما يتعلق بالفلسطينيين وعزلة إسرائيل المتزايدة عن المجتمع الدولي وملل الولايات المتحدة وضجرها من السعي وراء سلام وهمي في حين أنها تفقد الكثير من مصداقيتها وتقوّض مصالحها الإستراتيجية في المنطقة.

وبالفعل، فقبل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لواشنطن خلال الأسبوع الأول من الشهر الحالي مارس /آذار حذّر الرئيس باراك أوباما بأن الولايات المتحدة قد لا تكون قادرةً على حماية إسرائيل في حالة فشل حلّ الدولتين مع الفلسطينيين.

ولهذه الأسباب، لا يكفي أن تقدّم الدول العربية دعماً علنياً فاتراً لمشروع كيري، بل عليها أن تكون شريكاً نشيطاً على الصعيدين الشعبي والخاص وإظهار تضامناً مع الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لإرسال رسالة واضحة للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني تبيّن فيها أين تقف هذه الدول بالفعل، وتجديد مبادرة السلام العربية كجزء من رزمة مبادرة كيري سيخلق جواً جديداً يشجع على التسويات، آخذين بعين الإعتبار بأن المستقبل لن يقدّم فرصة أفضل.

لقد تغيّر الوقت وتغيّرت أيضاً الظروف، وتحوّل ميزان القوى في المنطقة وأصبح الإستقرار الإقليمي مربكاً، إن لم يكن وهماً، والتطرف الإسلامي المسلّح في صعود والولايات المتحدة وروسيا منشغلتان على ما يبدو في “حرب باردة” جديدة. كلّ هذه العوامل تزيد من معاناة المنطقة.

إن فشل التّوصل لاتفاقية الآن في ظلّ هذه الأوضاع قد يدفع الإسرائيليين والفلسطينيين بطريقة غير مقصودة ودون أن يدروا إلى مواجهة مسلّحة جديدة ويجرّون معهم الولايات المتحدة والدول العربية لصراعٍ جديد يريدون تجنبه بشكل ٍ يائس.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE