All Writings
مارس 24, 2015

نتنياهو يكشف عن نفاقه ودهماويته وخداعه

في سؤال ٍ لاحق لتصريح ٍ أدلى به رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو خلال مقابلة مع صحيفة “معاريف” الإسرائيليّة على صفحتها الإلكترونيّة “إن.إر.جي” الذي قال فيه:”إننّي أعتقد بأن أيّ شخص يتحرّك لإقامة دولة فلسطينيّة والإنسحاب من مناطق إنّما يتخلّى عن هذه المناطق لهجمات إسلاميين متطرّفين ضدّ إسرائيل”. وعند سؤاله إذا كان المقصود هو أنّه لن تُقام دولة فلسطينيّة عند إعادة انتخابه، أجاب نتنياهو: “بالفعل”.

لم يكن هذا مفاجئا ً لي أبدا ً في أيّ حال ٍ من الأحوال فأنا لم أصدّق أبدا ً بأن نتنياهو كان صادقا ً عندما صرّح في جامعة بار إيلان في عام 2009 بأنّه يدعم حلّ الدولتين، ولم أصدّقه أبدا ً يوما ً ما عندما كان يصرّح مرارا ً وتكرارا ً بأن إسرائيل مستعدّة للقيام “بتنازلات مؤلمة” للتوصّل لاتفاقيّة مع الفلسطينيين.

تعود متاعب نتنياهو وضلاله لعقود ٍ من الزّمن. إنّه إيديولوجي أعمى وصهيوني رجعي تحدّى وأنكر حق الفلسطينيين في إقامة وطن لهم. وقد سبّب نتنياهو كرئيسا ً للوزراء، وبالأخصّ خلال الأعوام الستة الماضية، ضررا ً محليّا ً ودوليّا ً لإسرائيل أكثر مما قد يسبّبه ألدّ أعداء إسرائيل.

فمحليّا ً، هو لم يفعل تقريبا ً شيئا ً لتخفيض تكاليف المعيشة، وأصبح الحصول على سكن ٍ صعبا ً جدّا ً وانضمّ مئات الآلاف من الأطفال لصفوف أولئك الذين يعيشون تحت خطّ الفقر. لقد سمح للشركات الكبرى باحتكار صناعات رئيسيّة في البلاد ولم يفعل شيئا ً لإدخال إصلاحات على التعليم.

لقد قوّض نتنياهو بشكل ٍ مقصود أسس إسرائيل الديمقراطيّة وحقوق الإنسان فيها بالسماح بالتمييز العنصري المفتوح ضدّ العرب الإسرائيليين في فرص العمل والسّكن وتمويل المدارس والبنية التحتيّة والنموّ الإقتصادي العامّ للقرى والمدن ذات الأغلبيّة العربيّة.

وعلى الصعيد الفلسطيني، واصل نتنياهو بشكل ٍ منهجيّ ومحموم توسيع المستوطنات ومصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينيّة وقام بتعزيز نظام احتلال ٍ وحشيّ واستغلّ ببساطة التعاون الفلسطيني في القضايا الأمنيّة فقط لخدمة مصالحه الشخصيّة الضيّقة. ولجعل الأمور أسوأ، فقد شنّ حربين ضدّ حماس بكلفة ٍ غير عاديّة من الأرواح البشريّة والخسائر الماديّة، وبالأخصّ على الجانب الفلسطيني.

أضف إلى ذلك، فإنّ سياساته التمييزيّة تجاه الفلسطينيين واستمرار الإحتلال قد أدت إلى زيادة العداء للساميّة في جميع أنحاء العالم ممّا جعل إسرائيل تبدو أكثر فأكثر كدولة منبوذة لا تأبه لانتهاكات حقوق الإنسان وتتحدّى المجتمع الدّولي وحتّى مبادىء إسرائيل الأخلاقيّة التي بنيت الدولة على أساسها.

لقد سبّب نتنياهو بشكل ٍ مأساوي ضررا ً فادحا ً للعلاقات مع الولايات المتحدة، وهي أكبر داعم ٍ ومساند ٍ لا يُستغنى عنه أبدا ً لإسرائيل من جميع النواحي – العسكريّة والإقتصاديّة والسياسيّة – والتي بدونها إسرائيل، كما نعلم، قد لا تستطيع البقاء على قيد الحياة. لقد كذّب نتنياهو بإصرار على الولايات المتحدة حول نواياه بالتفاوض مع الفلسطينيين بجديّة للتوصّل لسلام ٍ على أساس حلّ الدولتين. وقد استخدم ذريعة الأمن القومي لتبديد أية جهود ٍ تقوم بها الولايات المتحدة لتخفيف حدّة الصّراع مع الفلسطينيين.

زد على ذلك، لقد قوّض نتنياهو جهود الولايات المتحدة للتوصّل لاتفاقيّة حول برنامج إيران النووي، وأهان مراراً الرئيس أوباما، وبالأخصّ عند قبوله الدّعوة لإلقاء خطاب أمام الجلسة المشتركة للكونغرس الأمريكي لتحدّى اتفاق أوباما الوشيك مع إيران. وللتأكيد، لم يُضعف زعيم أيّ بلد، ناهيك عن كونه حليفا ً وثيقا ً للولايات المتحدة، موقف ومكانة ومصداقيّة الولايات المتحدة أمام الدول العربيّة أكثر مما فعله نتنياهو. لقد أساء لدعم أمريكا الغير محدود لإسرائيل ولم يكترث بحقيقة أنّه بدون الدّعم السياسي الحاسم للولايات المتحدة قد تصبح إسرائيل عرضة ً بشكل خطير للضغط السياسي الدولي.

أضف إلى ذلك، بسبب سياساته المتهوّرة تجاه الفلسطينيين وتضليله وكذبه الوراثي وموقفه الرافض، فقد استطاع نتنياهو أن يُنفر دول الإتحاد الأوروبي بأكمله، خالقا ً بذلك وضعا ً ستكون فيه إسرائيل عاجلا ً لا آجلا ً معرّضة ً لعقوبات ٍ مكثفة ولمزيد من العزلة.

لقد فوّت نتنياهو إبان ذلك فرصة ً لا مثيل لها للتعاون الوثيق مع الدول العربيّة سنيّة المذهب وذلك من أجل وضع نهاية ٍ لحلقة العنف المفرغة مع الفلسطينيين باحتضان مبادرة السّلام العربيّة. ونتيجة لذلك، فإن أغلبيّة الإسرائيليين والولايات المتحدة والمجتمع الأوروبي والفلسطينيين والعرب الإسرائيليين والدّول العربيّة جميعها تنظر بفزع لإمكانيّة أن يقوم نتنياهو بتشكيل الحكومة الإسرائيليّة القادمة، مع الأمل أن يكون هذا الإحتمال بعيدا ً جدّا ً.

سيشكّل إعادة انتخاب نتنياهو تطوّراً مرعبا ً يسبّب ضررا ً لا يمكن إصلاحه لإسرائيل بأية طريقة يمكن تصوّرها. سيحبط بشكل ٍ نهائي وحاسم بالدرجة الأولى أية إمكانيّة أو فرصة للسّلام مع الفلسطينيين داعيا ً إياهم للبحث عن إقامة دولة ٍ مستقلّة لهم عن طريق مؤسسات الأمم المتحدة وفتح الباب أمام إدارة الرئيس أوباما لحجب بطانيّة الحصانة السياسيّة عن إسرائيل بعد اليوم.

وحيث أنّه من المتوقّع أن يقوم نتياهو بعد انتخابه بمواصلة التوسّع في المستوطنات وبناء مستوطنات جديدة ومصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينيّة وفرض إجراءات أكثر فظاظة ً على الفلسطينيين تكون ضروريّة للإبقاء على الإحتلال، ستكون المسألة مسألة وقت فقط لانتفاض الفلسطينيين مرّة أخرى ضدّ إسرائيل وتوريط الطرفين في “حريق ٍ” هائل سيلتهم أرواحا ً وأموالا ً أكبر من أيّ شيء رأيناه حتّى الآن.

ستخسر إسرائيل في هذه الأثناء ما بقي من شرعيتها وستُعامل كدولة تمييز عنصري (أبارتهايد) تخضع للإدانات والعقوبات والتعرية الدوليّة. وللتأكيد، لم تكن المخاطر بالنسبة لإسرائيل أعلى من ذلك أبدا ً.

إذا كان نتنياهو يريد بأن تكون تركته كرئيس للوزراء هي منع إقامة دولة فلسطينيّة، فقد نجح في ذلك. ولكنه قد ترك في صحوته أمّة مضطربة، أمّة مليئة بالقلق والخوف على المستقبل.

وإذا قدّر للحكومة القادمة بأن يقودها نتنياهو، سيعيش كلّ إسرائيلي منتحبا ً على وفاة إسرائيل كدولة ديمقراطيّة ويهوديّة وكوطن للروّاد البواسل الذين جعلوا حلم آلاف السنين حقيقة ملموسة.

وباستقالة نتنياهو المأمولة من الساحة السياسيّة ستكون إسرائيل في حالة ٍ أفضل بكثير، حيث أنّ روح الأمّة وصلابتها وإبداعها وقوّتها الداخليّة ستنتصر جميعها، الأمر الذي سيعلن عن فجر ٍ جديد وأمل ٍ جديد لجميع الإسرائيليين واليهود والعرب على حدّ سواء للعيش بوئام وسلام.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE