All Writings
مايو 20, 2016

كيف انجرفت سوريا بفعل تجار الموت

في أعقاب الرعب الذي لا يمكن تصوره خلال الحرب العالمية الثانية، التزم المجتمع الدولي بعدم السماح أبدا لمثل هذه الأعمال الوحشية أن تأخذ لها مكاناً مرة أخرى بدون عقاب. ولكن كما هو الحال مع العديد من جرائم الإبادة الجماعية المأساوية التي وقعت منذ ذلك الحين، بما في ذلك البوسنة ورواندا، نشهد في الوقت الحالي التدمير المنهجي لبلد وشعبه بدون إثارة غضب الضمير الإنساني، وهذا عار سيعيش معه كلّ رئيس دولة.

أصبحت سوريا لا شيء سوى بيدق في أيدي تجار الموت، وفي أيدي بعض الدول والمجموعات المختلفة المتطرفة الذين استخدموا بلا رحمة حياة السوريين لتعزيز مخططاتهم السياسية الضيقة. وحقيقة أن أكثر من 300،000 سوري لقوا حتفهم، وما يزيد عن ضعف هذا العدد جرحى، وأكثر من 12 مليون أصبحوا لاجئين أو نازحين داخليا، لا تبدو أنها ترعب إيران أو روسيا اللتين قدمتا الدعم الثابت لنظام الأسد.

الرّوس والإيرانيّون مستمرون في تغذية آلة القتل التي يديرها الأسد فقط لتأمين مصالحهم، وهو ما يمكن القيام به في الواقع دون خسارة حياة سورية واحدة. هذه هي الطريقة التي يعبّر خامئني فيها عن أسلوبه في الرحمة والشفقة، وكيف يظهر بوتين رعايته للشعب السوري.

تم سحق الجسد والروح لجيلين من السوريين. تحطمت آمالهم وأحلامهم، ُسرقت كرامتهم واعتزازهم بأنفسهم، وتركت ملايين قابعة على أمل أن تستيقظ كل صباح من كابوس لتدرك فقط أن الحياة الكابوسية هو مصيرها.

ومن الصعب فهم كيف التقت العديد من المجموعات المتطرفة العنيفة في سوريا، وتتنافس فيما بينها ويقتل بعضها بعضاً، وكيف استطاع مثل هذا الجنون أن يشوّه عقولهم ويحكم. ماذا يوجد في الحمض النووي لهذه المجموعات الشريرة الغير قابلة للإصلاح والإنعتاق ، خصوصا جيش الأسد وتنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش” الذي قادهم إلى ارتكاب مثل هذه الوحشية برباطة جأش؟

نحن نعيش في عالم بلا قيادة، في عصر أصبح فيه الرضا عن الواقع فضيلة، واللامبالاة راحة أو عون، والإفتقار إلى الشجاعة مناورة حذرة، وعدم وجود حلّ خلاص.

لم يستطع المجتمع الدولي بأسره حشد الموارد والإلتزام الأخلاقي لإنهاء ذبح مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال. فهل من الغريب أن تحدث مثل هذه الفظائع مراراً وتكراراً ؟ كان بإمكان وضع خطة عمل واستراتيجية لإنهاء الحرب الأهلية في وقت مبكر أن يمنع المذبحة في سوريا من الحدوث.

وعندما يفشل المجتمع الدولي أمام اختبار الزمن وتصبح السخافة دليلاً للمستقبل، لماذا ينبغي على أية دولة أن تخضع إذن أمنها القومي لأهواء الدول الأخرى أو الأمم المتحدة، حيث تملي السياسة، لا الإنسانية، جدول أعمال وقتنا الحاضر؟

والآن وقد وافقت الولايات المتحدة وروسيا على وضع حد للمأساة السورية، يجب أن يتأكدوا من أن أي حل مستقبلي يأخذ بعين الإعتبار بعناية الحالة النفسية التي تجد فيها الجماعات والطوائف المختلفة أنفسها.

أولاً، ينبغي إنشاء حكومة إنتقالية تمثيلية تعكس التركيبة السكانية في سوريا، وتتألف هذه الحكومة من البيروقراطيين المهنيين وتبقى في السلطة لمدة لا تقل عن 5-7 سنوات. ويجب أن تركز هذه السلطة الحاكمة على إعادة بناء البنية التحتية والمدارس والعيادات والمستشفيات والحفاظ على الأمن الداخلي والإنخراط بشكل منهجي في عملية المصالحة لمنع أعمال الإنتقام والثأر.

ثانياً، مهما كانت بشاعة الرئيس الأسد، ينبغي أن يكون هو جزءاً من أي حلّ، لربما لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات من الفترة الإنتقالية. هذا لن يساعد فقط على تسهيل إيجاد حلّ، ولكن أيضا ً السماح للمؤسسات الرئيسية في سوريا، وخصوصا الجيش والأمن الداخلي والإستخبارات والبيروقراطية للبقاء في مكانها لمنع تفكك البلاد ما دامت هذه المؤسسات لا تزال تخضع للحكومة الإنتقالية المركزية.

ثالثاً، لا يوجد مكان في هذه المرحلة لمحاولة إدخال في أي حلّ فكرة إنشاء دولة ديمقراطية من خلال كتابة دستور جديد وإقامة انتخابات عامة قبل انقضاء مدّة الحكومة الانتقالية.

ولا يجب على الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي أن تفترض ببساطة أنه يمكن زرع القيم السياسية الغربية أو أن مثل هذه الفكرة يمكن أن تنجح حتى في المدى القصير أو الطويل. إن الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة في إقامة الديمقراطية قبل الأوان في ليبيا ومصر والعراق فشلت فشلا ذريعا، وينبغي ألا تتكرر.

رابعاً، يجب أن يتجنّب الحل أيّ تمني أنه بالإمكان ببساطة بمعجزة جمع أطراف البلاد مرة أخرى بعضها مع بعض كما لو أنّ المصالحة بين الطوائف التي أصبحت أعداء ألدّاء ستكون عملية طبيعية. كل مجموعة تحتاج إلى وقت للتفكير والشفاء.

يجب إعطاء أهل السنة والعلويين والمسيحيين والأكراد على وجه الخصوص الحيّز وحريّة العمل لإعادة تجميع صفوفهم. والخطوة التي يقوم بها الأكراد السوريون لإقامة “نظام ديمقراطي اتحادي” ينبغي الترحيب بها ومحاكاتها لتجنب الصراعات بين بعضها البعض والتي قد تحدث فيما بينها.

خامساً، يجب على الغرب جنباً إلى جنب مع روسيا في نفس الوقت وضع استراتيجية شاملة، بما في ذلك إدخال قوات برية كبيرة، لهزيمة تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش”، الأمر الذي من شأنه أن يساعد أيضا في وقف الإضطرابات الجارية في المنطقة. والواقع أن استمرار وجود “داعش” في سوريا من شأنه أن يساعد بسهولة في تفكّك أي اتفاق سلام، الأمر الذي يجعل بدوره تدمير هذا التنظيم شرطاً أساسيا للتوصل إلى حلّ دائم.

سادساً، من المحتمل أن تستمر الحرب المستمرة بين السنة والشيعة في العراق لفترة طويلة من الزمن، وربما لعقود. لقد استُغلّت سوريا بهذا الخصوص كأرض معركة بين الجانبين، والمنافسة بين إيران الشيعية والمملكة العربية السعودية السنيّة من أجل الهيمنة الإقليمية لن تهدأ في أي وقت قريب.

يتعين على البلدين أن يلعبا دوراً هاماً في أي حلّ للحرب الأهلية في سوريا، هذا من دون التخلي بالضرورة عن مصالحهما في البلد. وعدا ذلك، سينتهي الأمر لكليهما بالخسارة، كما لا يوجد أي احتمال لأيّ منهما أن يخرج سالماً.

وعلاوة على ذلك، فإن إيجاد حل للحرب الأهلية السورية قد يخفّف في الواقع ، وربما إلى حد كبير،من الصراع بين السنة والشيعة. يمكن للجانبين أن يبنيا على هذا الحلّ، ويحتمل حتّى استعادة الوضع السابق الذي كان سائداً قبل الحرب على العراق.

ينبغي ألاّ تكون التضحيات التي قام بها الشعب السوري والتي لا يمكن تخيّلها عبثا ً. النظام الدولي والكياسة والأخلاق على المحك. فإذا فشل المجتمع الدولي في التحرك الآن، ستتذكّرالأجيال القادمة كيف فقد المجتمع الدولي بوصلته الأخلاقية وإنسانيته وأخضع العالم كله لأشدّ الأيام كآبة ً التي ستأتي علينا لا محالة.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE