All Writings
فبراير 29, 2016

نداء للتعقّـــــل: رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو

عزيزي رئيس الوزراء نتنياهو ،

تحيّة طيّبة وبعد

أكتب هذه الرسالة لك بقلب مثقل بالحزن لأنه يؤلمني بشدة أن أرى الحلم الجميل لإسرائيل قوية وفخورة، ذلك البلد الذي كان متوقعا ً منه أن يحتضن كلّ ما هو فاضل وأخلاقي وعادل، أراه الآن يفقد مبررات وجوده كدولة يهودية حرّة وآمنة تعيش بسلام ووئام مع جيرانها.

النسيج الاجتماعي للدولة قد تمزّق إربا ً بسبب التشرذم السياسي وغياب العدالة الإجتماعيّة. البلد في عزلة ٍ متزايدة، ينحطّ إلى دولة حامية تحيط نفسها بجدران وسياجات، يوبّخها الأصدقاء ويلعنها الأعداء.

وبصفتك أقدم رئيس وزراء خدم في هذا المنصب، البلد تتقوّض وتتفتّت في الواقع تحت ناظريك. والسؤال هنا: إلى أين تقود الشعب، وماذا ينتظرهم غدا ً كإسرائيليين، وهم الآن على مفترق طرق مصيري يواجهون مستقبلا ً مجهولا ً ؟

بالتأكيد أنت وأولئك الذين يتبعونك بحسن نية سوف تختلفون مع تحليلي، ولكن أنا أحثك أن تمعن النّظر في القضايا الملحة التي أطرحها هنا والتي تنكشف الآن وأنت مسؤول عنها أكثر من أيّ من أسلافك.

أنت تحيط نفسك بكلّ راحة بنخبة من الفاسدين السياسيين عديمي الأخلاق، بدون وخز ضمير ولكن بنهم ٍ لا يشبع لمزيد من السلطة والقوّة. إنّهم مستًهلكون بأجندات سياسية شخصية ومتورّطون في قضايا فساد داخلي ومؤامرات.

لديك العديد من هؤلاء الوزراء- من بينهم وزيرة العدل، ايليت شاكيد، التي أيدت فكرة أن “الشعب الفلسطيني كله هو العدو” الأمر الذي ليس بأقلّ من دعوة للقتل بدون تمييز شاملا ً “كبار السنّ منهم والنساء، مدنهم وقراهم، ممتلكاتهم وبنيتهم التحتية “؛ ثمّ وزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، الذي يريد أن يضمّ معظم الضفة الغربية من دون أن يفكّر لحظة واحدة بالخطر الذي لا تحمد عقباها بأن مثل هذا المخطط المشئوم سيلحق الضرر بإسرائيل. وزير الثقافة، ميري ريجيف، الذي يريد أن يخنق حرية الفنون والتعبير والذي يسخر من أساس ومؤسسات اسرائيل الديمقراطيّة.

لقد قمت بدعم ثلاثة مشاريع قوانين صارمة: واحد منها يعلّق عضويّة أعضاء الكنيست الذين يرفضون إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. والثاني يهدف إلى سحب التمويل من المؤسسات الثقافية التي تعتبر “غير موالية” لإسرائيل. والثالث يطلب من المنظمات غير الحكوميّة اليساريّة التي تتلقى تمويلاً أجنبياً أن تعرّف عن نفسها بهذه الصفة في أي نشرة أو مطبوعة (في حين تعفي من هذا التعريف المنظمات غير الحكوميّة اليمينيّة التي تمولّها جهات خاصّة ). أنت مُكتنف بحصار إيديولوجي مع عقلية الغيتو والتعاليم الدينية الإنتقائية، مدعوم من جوقة عمياء من البرلمانيين الذين يردّدون فقط لحنك المشوّه.

أنت تتلاعب بالجمهور بقضايا ومخاوف الأمن الوطني وتربط زيفاً الأمن بالحدود، وذلك فقط للإستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية والدفاع عن سياسة الإستيطان المدمرة.

أنت مسرور لمواجهة معارضة سياسيّة غير كفؤة تحوّلت إلى حالة دائمة من الجمود والتوقّف عن العمل وتغمرك السّعادة لرؤيتهم يوهنون ويتفسّخون بدون أية خطط سياسية لتحديك في إيجاد حلّ للصراع الفلسطيني المتأصّل الذي تنمو سياسياً على أساسه. أجل، بهذه الأحزاب المعارضة المشلولة التي تجلس على هامش اليأس السياسي، لأنها أصبحت الآن من السهل استمالتها لدعم سياساتك الداخلية والخارجية المضللة وسياسات استهداف الفلسطينيين، وكل ذلك باسم الوحدة الوطنية.

أنت لا تزال تتباهى بمكانة إسرائيل الإقتصادية، في حين أن الإقتصاد ككل في حالة من الركود وإنتاجية العمل هي الأقل بين أعضاء منظمة دول التعاون الإقتصادي والتنمية (OECD) ، وحفنة من المليارديرات تسيطر على القلب المالي للدولة في حين أن عشرات الآلاف من الأسر تتدافع للبقاء على قيد الحياة.

يعيش أكثر من 1.7 مليون اسرائيلي في الفقر، 775،000 منهم من الأطفال، في حين يتم ضخ مئات الملايين من الدولارات لإنفاقها على المستوطنات غير الشرعية ومئات ملايين أخرى تنفق لحماية المستوطنين، تاركاً القرى والبلدات العربية – التي يعيش في معظمها يهود شرق أوسطيّون – تتعفن.

الهوّة بين الأغنياء والفقراء في اتساع مضطرد. ال 10 في المئة من السكان الذين في القمّة يكسبون 15 مرّة أكثر من ال 10 في المئة الذين في أسفل السلّم، الأمر الذي يجعل إسرائيل واحدة من الدول الأكثر تفاوتا في العالم المتقدم. السياحة تغوص في الحضيض، والإستثمارات الأجنبيّة غاطسة، وحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) تكتسب زخماً يوما ً بعد يوم.

الفساد والإجرام في أوساط المسؤولين البارزين مذهل. أكثر من 10 وزراء و 12 عضوا على الأقل من أعضاء الكنيست قد أدينوا لارتكابهم جرائم على مدى السنوات ال 20 الماضية وحدها. وحكم على الرئيس السابق موشيه كاتساف ورئيس الوزراء ايهود اولمرت بالسجن سبع سنوات و 19 شهرا على التوالي، وتمّ توجيه الإتهام لعشرات آخرين ، ولكنهم تنصّلوا من العقاب من خلال مختلف الثغرات القانونية التي تُمنح في كثير من الأحيان لكبار المسؤولين.

أنت تمارس التمييز ضد عرب اسرائيل (الذين يشكلون 20 في المئة من السكان) بفعل سياسة حكومتك في عدم المساواة في المعاملة، ومن ثم تشكك في ولائهم للدولة.

يدّعي الصهاينة المتطرّفون مثلك بأن إسرائيل بحضارات متعددة لا يمكن أن تبقى على قيد الحياة – وأن الفصل العنصري ( سياسة الأبارتهايد) ، أو ما شابه، هو البديل الوحيد القابل للتطبيق – مكرراً من حيث الجوهر الحجة التي كانت تستخدم في وقت سابق من التاريخ الأوروبي ضد اليهود أنفسهم.

وأود أن أضيف ببالغ الأسى أن التمييز لا يقتصر على العرب الإسرائيليين فحسب، ولكن يمتد ليشمل اليهود الشرق الأوسطيين والاثيوبيين وذلك بعد أربعة أجيال من قيام دولة إسرائيل. فالصدامات الدامية التي وقعت في مايو 2015 بين الشرطة واليهود من أصل إثيوبي تكشف فقط عمق التفاوت الإجتماعي في إسرائيل.

الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، من حزب الليكود الذي تتزعمه، وصف الواقع المؤلم بطريقة واضحة جدّا ً تغني عن كلّ شرح عندما صرح قائلا ً: ” لقد كشف المحتجون في القدس وتل أبيب عن جرح مفتوح ودموي في قلب المجتمع الإسرائيلي. هذا هو جرح من مجتمع يدق ناقوس الخطر في ما يشعرون به، وهو التمييز والعنصرية وتجاهل احتياجاتهم. يجب علينا أن نلقي نظرة فاحصة على هذا الجرح “.

وديموغرافياً، تواجه البلاد خطراً كبيراً. عدد الإسرائيليين المهاجرين من إسرائيل يساوي تقريبا عدد أولئك الذين يهاجرون إلى إسرائيل. ما يقرب من مليون إسرائيلي، وهو ما يمثل 13 في المئة من عدد السكان، هاجروا من إسرائيل خلال العشرين عاما ً الماضية. وتكشف عدة استطلاعات بشكل ٍ ثابت بأن 30 في المئة من الإسرائيليين يتطلّعون لمغادرة البلاد لو أتيحت الفرصة لهم، وذلك بالدرجة الأولى لأسباب اقتصادية وعدم وجود احتمال لإنهاء الصراع المنهك مع الفلسطينيين.

وبشكل ٍ خاصّ، تتجه هجرة الشباب اليهود الأمريكيين والأوروبيين لإسرائيل باستمرار نحو الإنخفاض. لقد فقد الكثير منهم الشعور بروح الريادة والإثارة التي كانت مسيطرة على نظرائهم السابقين الذين أرادوا أن يكونوا جزءا من مشروع تاريخي لا مثيل له في التجربة الإنسانية المعاصرة.

الفلسطينيون:

أنت تتعامل مع الفلسطينيين في المناطق وكأنهم سلع، تستخدمهم وتسيء معاملتهم بما يتفق مع الدعوة التي تنادي بها الساعة. أنت تنتهك حقوقهم الإنسانيّة بإفلات مكشوف من العقاب ولم تدرك أبداً الآثار المنهكة والمروّعة لما يقرب من 50 عاماً من الإحتلال.

أنت تدّعي بنوع ٍ من الإزدراء، “إن الشعب اليهودي ليس محتلّ أجنبي”. أنت لا تريد يوما ً أن تفهم معنى أن تتم السيطرة عليك تماما من قوّة أخرى، أن يُداهم بيتك في منتصف الليل، أن تثير الخوف والرّعب في قلوب ونفوس النساء والأطفال، أن تقسّم قريتك بشكل ٍ تعسفي من جراء بناء الأسوار، وأن يُدمّر منزلك الذي استثمرت فيه تعب حياتك، وفقدان الشعور بأن لك سيطرة على أيّ جانب من جوانب حياتك.

إنّ استدعاء ذكريات المحرقة لا يبرّر بأية حال من الأحوال إساءة معاملة الفلسطينيين وإنما يحط فقط من الأهمية التاريخية لهذه المأساة الإنسانية غير المسبوقة. قد يتصور المرء أن أولئك الذين عانوا كثيرا مثل اليهود من المفروض عليهم أن يعاملوا الآخرين بعناية وبحساسيّة. أن تصبح الضحية المعتدي، أمر ٌ مؤلم حقاً لمواجهته، ولكن هو واقع الحال. كونك قد عانيت كثيرا ً لا يعطيك رخصة لقمع واضطهاد الآخرين.

السفير الأميركي في اسرائيل، دان شابيرو، وصف الوضع بكلّ بلاغة ووضوح عندما قال: “…تفتقر الكثير من الهجمات على الفلسطينيين إلى تحقيق قويّ أو استجابة من قبل السلطات الإسرائيلية …هناك العديد من التنظيمات الأمنيّة الإسرائيليّة [في الضفة الغربية] دون وازع أو مراقبة، وأحيانا يبدو أن هناك معيارين من الإلتزام بسيادة القانون، واحد للإسرائيليين، والآخر للفلسطينيين.”.

هذا لا يعني أنني أعفي الفلسطينيين من دورهم أو مسؤولياتهم، ولكنك بفعل إجراءاتك وإجراءات وزرائك وسياساتك تجاه الفلسطينيين تقوم بالتحريض على العداء وتعزّز في نهاية المطاف التطرّف العنيف. أنت تستغلّ حجة الأمن القومي لتبرير سياساتك المتحيّزة، بما في ذلك سوء معاملة الفلسطينيين والتوسع في المستوطنات الذي أصبح شعار السياسة الداخلية الإسرائيلية، وذلك باستخدام نقاط حوار قديمة ومتعبة حول الأمن القومي والتي نُبذت لكونها فارغة، ووُصفت بأنها “إنجيل” لإقناع النفس.

أنت تتكلّم عن دعمك لحلّ الدولتين، ولكنك لم تحرّك ساكنا للتقدّم في ذلك. أفعالك تشير فقط إلى عكس ذلك. أجل، فعلى الرغم من أن الفلسطينيين قد اقترفوا عشرات الأخطاء ومن المرجح أن يقترفوا أيضا ً أخطاء أخرى كثيرة من شأنها أن تقوّض مصالحهم الوطنية، غير أنهم وُجدوا ليبقوا هنا.

يجب على إسرائيل أن تحدد مصيرها وليس تركه لأهواء الفلسطينيين. أنت تدّعي بأن الفلسطينيين لا يريدون السلام، ولكن من خلال كونك الطرف الأقوى بدرجات، يمكنك أن تجازف بمخاطرة محسوبة وتتحمل المسؤولية لتمهيد الطريق للوصول في نهاية المطاف إلى اتفاق سلام بدلاً من تعميق ترسيخ إسرائيل في الأراضي المحتلة. هذا سيجعل الصراع أكثر استعصاء ً للحلّ أكثر من أي وقت مضى، في حين أنّ التعايش السّلمي بين الشعبين أمر لا مفر منه تحت أي ظرف من الظروف.

الوقت ليس لصالح إسرائيل، وعلى الرغم من أنّ الفلسطينيين يعانون، ولكنهم قادرون على الإنتظار. لا يمكنك تجميد الوضع الراهن. وبالنظر إلى الإضطرابات الإقليمية، فإن التطرّف العنيف الذي يستهدف إسرائيل سيزيد فقط.

من دون خطة مدروسة بعناية لفكّ الإرتباط تدريجياً عن الأراضي المحتلة، من المرجّح أن يكون هناك مليون مستوطن خلال بضعة أعوام. هذا سيعني الضمّ الفعلي للضفة الغربية، وستعجز اسرائيل بعد ذلك عن إخراج نفسها من هذه الورطة دون مواجهات عنيفة دائمة مع الفلسطينيين والمجازفة بحرب أهلية داخل إسرائيل حال الإضطرار إلى اتخاذ قرار إخلاء عدد كبير من المستوطنين.

إنهاء الإحتلال ليس هدية خيريّة للفلسطينيين، ولكن فقط من خلال قبول حقهم في دولة خاصّة بهم ستبقى إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية تتمتع بالسلام والأمن، هذا بدلاً من الإنجرار نحو هاوية لا خلاص منها.

إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العصر الحديث التي أبقت، في تحدّ للمجتمع الدولي، على احتلال عسكري دام حتّى الآن ما يقرب من خمسة عقود. قبول الإسرائيليين بالإحتلال وسكوتهم عنه يؤثر سلبا على اليهود في جميع أنحاء العالم، وطالما هناك إحتلال، سوف تستمر معاداة الساميّة في الإرتفاع.

وممّا قد أضاف قوة إلى الإرتفاع الملحوظ في معاداة السامية في السنوات الأخيرة هو استخفافك من الإجماع الدولي حول عدم شرعية الإستيطان وسياسة استمرار الإحتلال وتجاهلك لمعاناة الفلسطينيين وحقهم في تقرير المصير .

هل فكّرت في ما يمكن أن يكون تداعيات ما قلته خلال الإنتخابات الأخيرة، الذي أعتقد أنه يعكس موقفك الحقيقي ، بأنه لن يكون هناك دولة فلسطينيّة تحت سمعك وبصرك؟ لن يكون هناك سلام مع الدول العربية والأردن ومصر ( بغض النظر عن كيفيّة شعورهم تجاه الفلسطينيين) وقد تلغي هذه الدّول معاهدات سلامها مع إسرائيل تحت وطأة تصاعد الضغوطات الإقليمية والشعبيّة. سيصبح غضب الإتحاد الأوروبي يوما ً ما لا حد له، والولايات المتحدة ستفقد الصبر (إن لم تكن قد فعلت ذلك بالفعل) ولن يعد بمقدورها تزويد إسرائيل بالغطاء السياسي التلقائي، والعالم سوف يلوم إسرائيل لتغذيتها عدم الإستقرار في المنطقة. والكثير من هذا يحدث الآن بالفعل.

إن إسرائيل تعيش باستمرار في حالة من العنف وانعدام الأمن، ولكن ربما هذا هو بالضبط ما تريد، أي بالتحديد نشر الخوف واستخدام تكتيكات التخويف لإثارة القلق الشعبي من خلال تصوير كلّ فلسطيني على أنه إرهابي، وكأن الإحتلال ليس له اية علاقة بهذا التطرف الفلسطيني.

في السياسة الخارجية:

يبدو أنّ سياسة خارجية سليمة وبنّاءة غريبة عنك، فتبعيّات سياستك الخارجيّة تقصي من جهة حلفاء إسرائيل وتربك أصدقائها. إنك تتجاهل أو تنبذ بقصد الإتفاقيات والبروتوكولات الدبلوماسية. لقد قمت بقصد بتقويض مكانة وهيبة الرئيس أوباما بمخاطبة جلسة مشتركة لكونغرس الولايات المتحدة، متحدّيا ً إيّاه بخصوص صفقة إيران لتفشل أنت في النهاية فشلاً ذريعا، مربكا ً زعماء الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء.

لقد اشتبكت مع سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل دان شابيرو لانتقاده سياسة إسرائيل في الضفة الغربية، وترفض تعيين سفير آخر للبرازيل بعد أن رفض مرشحك، وهو داني دايان، الذي يجسد أسوأ صورة لحركة الإستيطان.

ووبّخت وزيرة خارجية السويدية مارغوت والستروم، التي دعت إلى إجراء تحقيق ذي مصداقية لعمليّات قتل الفلسطينيين، وتتناوش علنا ً مع الأمين العام للأمم المتحدة، بان كى مون، الذي صرح “… فمن طبيعة الإنسان الرد على الإحتلال”.

لقد أغضبت أيضا ً وزير الخارجية كيري، الذي سلط الضوء على “ظلم بناء المستوطنات”، مما دفع العديد من المسؤولين الأمريكيين أن يصفوك ب “قصير النظر، مُكابر، غير جدير بالثقة، لا تحترم بشكل روتيني وتركز فقط على التكتيكات السياسية على المدى القصير للحفاظ على تراصف جمهورك الإنتخابي اليميني.”

وحيث أنّ الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي مقتنعون تماماً بأن المستوطنات تمثل العقبة الرئيسية أمام السلام، أنت الآن لا تحصد فقط الإنتقادات، ولكنك تجبر كليهما على اتخاذ تدابير لتنبيه الإسرائيليين للواقع القاسي جراء بناء المستوطنات وأيديولوجيتك المحفوفة بالمخاطر.

وبسبب سياساتك غير الحكيمة الرّعناء، لإسرائيل الآن عدد قليل من الأصدقاء. المشاعر المعادية لإسرائيل في تصاعد مستمر ليس فقط في أوروبا، بل وأيضا ً في الولايات المتحدة التي تعتبر آخر معقل من التأييد الشعبي لإسرائيل.

بدءاً بطلب الإتحاد الأوروبي لوسم منتجات المستوطنات ، بقيت رافضا ً بشكل نمطي، موجّها ً الخزي واللوم للإتحاد الأوروبي لقيامه بتطبيق معايير مزدوجة. وعدت إلى سرد روايتك القديمة باتهام أي منتقد لسياستك على أنه معادي للسامية من أجل صرف الأنظار عن إجراءاتك غير المدروسة التي لا بد أن تأتي بنتائج عكسية.

ينمو تشكك أعضاء الإتحاد الأوروبي بشكل ٍ مضطرد على أنك لن تسعى في أيّ وقت للسلام على أساس حلّ الدولتين، وأنهم على أكثر ترجيح مع مرور الزمن سوف يصبحون أقل تحفظا لفرض عقوبات. يمكن للإتحاد الأوروبي ان يوسّع العقوبات على السلع المصنعة في إسرائيل ذاتها وكذلك تكثيف الضغط السياسي على اسرائيل لإنهاء الإحتلال الظالم.

تحضّر الحكومة الفرنسية حالياً لعقد مؤتمر دولي لمعالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لأنها لا ترى أيّ أمل لدخولك في مفاوضات ثنائية جدية لو ترك الأمر لك. كان ردّ فعلك كما هو الحال دائماً رافض، وذلك باستخدام مرة أخرى الحجة البالية بأن الحلّ يمكن إيجاده فقط من خلال المفاوضات المباشرة. أنت تعرض إستئناف محادثات السلام دون قيد أو شرط ولكنك ترفض مناقشة الحدود أولاً، ولا تزال تصر على أن الفلسطينيين يجب أن يعترفوا أولاً بإسرائيل كدولة يهودية.

وهنا تكمن السخرية: ففي حين تمّ استقبال الرئيس الإيراني روحاني في كلّ من إيطاليا وفرنسا على السجّاد الأحمر، ألقي بك كزعيم مكروه أعمته أيديولوجية بائدة مرّت عليها عقود طويلة من الزّمن.

مصير إسرائيل:

إنجازات إسرائيل في مجالات العلوم والتكنولوجيا والطب والزراعة والعديد من المجالات الأخرى في أقل من سبعة عقود تضاهي معجزة. وأصبحت هذه المعجزة واقعاً بفضل سعة الحيلة والإبداع والتفاني من قبل الرجال والنساء الذين التزموا ببناء دولة قوية وفخورة توفر ملاذا آمنا أبديّا ً لليهود. هذه الإنجازات لم يسبق لها مثيل، ومع ذلك تعني القليل ما لم تتمكن إسرائيل من العيش بسلام ويتمتّع جميع مواطنيها بالمساواة والحرية التي تعتبر الركائز التي يقوم عليها مستقبل إسرائيل ذاته.

فما هي رؤيتك لمستقبل إسرائيل؟ هل تعرف أين ستكون البلاد بعد عشر سنوات أو حتى أقل من ذلك؟ أتحدّاك أن تقدّم لي إجابة واضحة. إذا كان فعلا ً يعنيك أمن إسرائيل وخيرها من كلّ قلبك، إذن عليك أن تحفظه من المسار المدمّر ذاتيّا ً الذي مهّدته بالخوف والقلق وسفك الدماء.

يجب عليك التركيز على إصلاح النظام السياسي المختل في إسرائيل بدلًا من الإستفادة من ذلك لتعزيز أجندتك السياسية الضيقة.

ويجب عليك أن تبذل جهوداً فائقة لسد الفجوة المقلقة بين الأغنياء والفقراء، وتوفير فرص العمل لعشرات الآلاف من الشبان والشابات الذين يريدون الإستقرار المالي والنمو حتى يتمكنوا من بناء مستقبل واعد في إسرائيل بدلاً من البحث عن عمل خارج البلاد.

ويجب عليك التركيز على إعادة بناء الأحياء المتهالكة التي يسكن معظمها عرب إسرائيليّون ويهود من أصل شرق أوسطي، هذا بدلاً من توجيه كل عام فوائض بما يقرب من ربع مليار دولار للمستوطنات.

ويجب عليك توفير التمويل الكافي للمستشفيات والرعاية الصحية للفقراء الذين قطعت مساعدة الضمان الإجتماعي لهم بقسوة وبلا خجل في السنوات الأخيرة، وخاصة للناجين من المحرقة وآخرين مجبرين على الإختيار بين إطعام أسرهم ودفع فواتير الكهرباء، والذين لا يستطيعون شراء الدواء المنقذ لحياتهم والذي هم بأمس الحاجة إليه.

ويجب عليك تخصيص المزيد من التمويل للمدارس التي من شأنها أن تسمح للآلاف من الشباب والشابات للإلتحاق بالكليات، بدلاً من قطع المخصصات الماليّة للمدارس العلمانية والمسيحية في حين يتمّ تحويل الأموال للطلاب الأرثوذكسيين، الذين يتمتعون بالتعليم المجاني.

يجب عليك الآن الإختيار ما بين العيش مع الفلسطينيين بسلام ورخاء أو العيش بالسيف والقضاء بالعنف على بعضكما البعض. يجب ألا تنسى أبداً بأن مصائر الإسرائيليين والفلسطينيين متشابكة بشكل لا رجعة فيه.

ويجب عليك استعادة مكانة اسرائيل في المجتمع الدولي كدولة ديمقراطية فعليّة تعامل جميع مواطنيها بصورة عادلة ومتساوية بغض النظر عن الطائفة أو العرق أو الدين الذي ينتمون إليه، هذا بدلاً من الإنخراط في سياسات تمييزية لن تؤدي إلا لتآكل مكانة إسرائيل.

ويجب عليك أن تمدّ يدك للمجتمع الدولي، وتعّزز تحالفات إسرائيل وتلطّف الخلافات مع أعدائها. تذكّر بأن إسرائيل ستكون بحاجة دائماً إلى الدعم السياسي من المجتمع الدولي والمساعدات العسكريّة والسياسية من الولايات المتحدة على وجه الخصوص، وليس العكس.

يجب أن تلتزم بالمبادئ الأخلاقية التي ولدت على أساسها إسرائيل، بدءاً برواية شعبيّة صادقة مبنيّة على أساس واقع وحقيقة إسرائيل على جميع الجبهات بدلاً من الغوص في رواية خياليّة، منغمسة في الملذات الذاتيّة، التي تشوه الحقيقة التي تواجه البلاد وشعبها.

وبعد كل هذا، لا شيء يجعلني أكثر سعادة من أن أرى معجزة إرتقائك إلى مستوى المسؤولية التاريخية والتجاوب مع دعوة الساعة وتلبّي نداء الشعب لإنهاء الصراع مع الفلسطينيين، وجعل إسرائيل فخورة مرة أخرى بإنجازاتها المتفوقة في جميع مجالات الحياة.

لقد أظهرت مهارات سياسية وقيادية هائلة للوصول إلى القمة التي تستمتع بها في الوقت الراهن، ولكن للأسف، لقد اخترت سياسات خاطئة ومضلّلة تقوّض أمن إسرائيل وإمكانيات السلام.

ينبغي عليك استخدام تلك الصفات نفسها لقيادة البلاد وتحقيق مصيرها كدولة يهودية وديمقراطية آمنة على علاقة ودية مع جيرانها. هذا لن يُعتبر انحرافاً. العديد من القادة قبلك أظهروا الشجاعة والرؤية والقدرة على تغيير جذري في المسار أملته آنذاك الظروف. يمكنك أيضا فعل ذلك إذا أردت فقط.

تمكّن اسحق رابين، أنور السادات، ميخائيل غورباتشوف، دي كليرك وكثيرين غيرهم من فهم الوقائع والمعطيات الجديدة، وقرّر هؤلاء الزعماء أخذ مخاطر على أنفسهم وتغيير المسار من اقتناعهم بأن البلاد والناس بحاجة إلى تغيير ثوري في الإتجاه ويستحقون قيادة يؤتمن لها والتي من شأنها أن تقودهم إلى غد أفضل وأكثر إشراقاً.

هذا هو الإرث الذي أريد أن أتركه خلفي لو كنت مكانك.

مع احترامي،

ألون بن مئير

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE