All Writings
أكتوبر 14, 2015

المطلوب هلال مواز ٍ للهلال الشيعي لإيقاف إيران في مساراتها

لا يمكن لأي شخص تابع سلوك إيران منذ ثورة 1979 أن يتغاضى عن حقيقة أن إيران عازمة على استعادة بعض، إن لم يكن الكثير، من مجدها التاريخي كالإمبراطورية التي سيطرت لقرون على الشرق الأوسط وما وراءئه. إنّ حرب العراق عام 2003 التي رفعت الشيعة العراقيين إلى السلطة، أعطت إيران فرصة تاريخية لتأسيس موطئ قدم قوي في بغداد. أضف إلى ذلك، فدعم طهران للمسلحين والمنظمات الإرهابية في جميع أنحاء المنطقة ورفضها لوجود إسرائيل، وتحديها للدول العربيّة سنيّة المذهب، تشير جميعها لطموحاتها الإقليمية ولتطلعاتها الوطنية.

وبغض النظر عن الإتفاق مع ايران، فإن سعي طهران لتصبح قوّة نوويّة لن يتغير. ايران عازمة على الحفاظ على دورها المهيمن على الهلال الذي يمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج (بما في ذلك العراق وسوريا، ولبنان)، وهو الأمر الذي يُعتبر من صميم تحرّكها واندفاعها طويل الأمد لكي تبرز كالقوة المهيمنة في المنطقة.

لا يمكن، على أية حال، التعامل مع التهديد الحقيقي أو المُتصور ضد إسرائيل والدول العربية السنية الذي تشكله إيران بتكرار فقط مدى خطورة إيران، كما ردّد ذلك في كثير ٍ من الأحيانً رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وزعماء عرب آخرون.

فبالرغم من أنّ صفقة إيران مصمّمة لمنعها من امتلاك أسلحة نووية، فإنها سوف تحصل في نهاية المطاف على التكنولوجيا والمواد اللازمة لإنتاج سلاح نووي في وقت قصير. وبالفعل، على الرغم من العقوبات التي شلّت تقريباً اقتصادها، ظلّت إيران حازمة في انتهاج سياسات متفقة مع هدفها العام.

وبالفعل، هناك القليل الذي يمكن لإسرائيل أو للمجتمع الدولي القيام به لمنع إيران من الوصول للعتبة النووية عندما تنتهي مدّة الصفقة، أو ربما حتى قبل ذلك.
ومهاجمة المنشآت النووية الإيرانية الآن أو في المستقبل المنظور لن يفعل أكثر من تعطيل ٍ مؤقّت لبرنامج ايران النووي لبضع سنوات فقط، ستكون إيران بعدها في وضع يمكنها من استئناف برنامجها النووي بعزيمة أكبر ورفض أيّة رقابة دولية عليها. وعلاوة على ذلك، فإن العواقب التي لا يمكن التنبؤ بها لمثل هذه الهجمات قد تشعل حريقاً إقليمياً ضخما ً لا تريده لا إسرائيل ولا الدول العربية السنية.

لهذه الأسباب، ولمواجهة طموحات ايران الإقليميّة، ينبغي على إسرائيل والدول العربية السنية أن تشكّل هلالا ً موازيا ً لإيقاف إيران في مساراتها. قد يمتدّ الهلال الجديد أيضاً من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط ويضمّ المملكة العربية السعودية، البحرين، الكويت، قطر، الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والأردن وفلسطين وإسرائيل ومصر، حيث يبلغ عدد سكانه السنّة ما يقرب من 136 مليون، مقابل إيران وشيعة العراق بعدد سكان لا يتجاوز 95 مليون نسمة.

تتبادل جميع هذه الدّول العشرة مخاوف عميقة حول استراتيجية إيران الإقليمية، وجميعها ترغب في القضاء، أو على الأقلّ تحييد، هيمنة إيران في السنوات القادمة. وإقامة مثل هذا الهلال، مع جيش قوي والتعاون الإستراتيجي بين جميع هذه الدول، سوف يرسل رسالة واضحة إلى إيران بأن “ليس لديها مكان تتجه إليه سوى شرقا ً”وأن اجتياز هذا “الخط ألأحمر” لن يمرّ دون عواقب.

المشكلة الرئيسية هنا، بالطبع، هي الحلقة المفقودة. فبالنظر إلى انعدام السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، فإن الدول العربية لن توافق على إقامة مثل هذا التكتل الذي من شأنه أن يشمل إسرائيل، وهو الشرط الحاسم لإنشاء كتلة يابسة من الأرض تقطع على إيران إستراتيجيّة تدخلها.

يحتاج أي رئيس وزراء اسرائيلي، وخاصة نتنياهو، أن يدرك بأن التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين من شأنه أن يؤدي إلى سلام عربي إسرائيلي شامل. مثل هذا السلام من شأنه أن يعزز إلى حد كبير الأمن القومي الإسرائيلي ويحيّد ليس فقط التهديد الإيراني، ولكن أيضا ً أية جماعة متطرفة أخرى، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش”.

لقد قرّب الخطر – الذي تشكله إيران بالفعل – إسرائيل والدول العربية السنية أكثر إلى بعضها البعض. هناك في الوقت الحاضر تعاون واسع النطاق وتبادل للمعلومات الإستخباراتية بين الجانبين. وتنظر الدول العربية لإيران الشيعية، وليس لإسرائيل، على أنها أكبر تهديد لسيادتها. وتدرك هذه الدّول أيضا ً أنّه في حين ما زالت إسرائيل تحتلّ الضفّة الغربيّة، فإن ليس لديها رغبة في الهيمنة على أية دولة عربيّة.

ينبغي أن يكون التهديد الإيراني، الذي سيستمرّ لسنوات، إن لم يكن لعقود، حافزاً لخلق إئتلاف عربي إسرائيلي جديد. القواسم المشتركة التي تجمع هذه الأطراف اليوم هي أكبر بكثير من عدم موافقتها على الإحتلال الإسرائيلي، الذي من الممكن التغلب عليها.

فبدلاً من الخوض في التحدي النووي الإيراني للأمن القومي الإسرائيلي مستقبلا ً، يجب على نتنياهو التركيز على معالجة الصراع الأكثر إلحاحاً الآن مع الفلسطينيين، إذ أنّ هذا لديه القدرة إمّا أن ينفجر مع عواقب وخيمة، أو أن يقدّم الزّخم لسلام عربي إسرائيلي شامل.

وتحقيقاً لهذه الغاية، أعود إلى ما كنت أومن دائماً بأنه أهمّ مشروع للسّلام برز بشكل ٍ جماعي من الدول العربيّة، ألا وهي مبادرة السّلام العربيّة، التي تعرض على اسرائيل السّلام مع كلّ الدول العربيّة / الإسلاميّة في مقابل إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

لقد حان الوقت للحكومة الإسرائيلية لتبنّي مبادرة السّلام العربيّة كأساس للمفاوضات وتحرير كلّ الإسرائيليين من فكرة أن هذه المبادرة قد عُرضت على أساس إمّا أخذها كما هي أو تركها. لقد صرّح نتنياهو نفسه أكثر من مرّة بأن السّلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يمكن التوصل إليه في سياق سلام عربي إسرائيلي شامل.

تمتلك الدول الرئيسيّة الثلاث معاً في هذا التحالف المحتمل، وهي بالتحديد مصر، إسرائيل والمملكة العربية السعودية، أكبر آلة عسكرية تقليدية في الشرق الأوسط (معزّزة بالأسلحة النووية) وهذه لن تتجرّأ إيران، مع أو بدون هذه الأسلحة، على مواجهتها.

إنّ الإضطرابات والثورات في الشرق الأوسط مثقلة بخطر لا يُصدّق ولا مثيل له من قبل منذ الحرب العالمية الثانية، ولا تستطيع أية دولة بمفردها أن تحمي نفسها منه بالكامل. ومع ذلك، فإن الإضطرابات الإقليمية إلى جانب التهديد الإيراني يوفر فرصاً جديدة لهذا التغيير الجيوسياسي الثوري ليأخذ مجراه.

قد يعتقد البعض بأن هذا تفكير رغبي، ولكن التاريخ قد برهن مراراً وتكراراً أن القادة الذين يتحلّون بالرؤية والشجاعة قادرين على خلق اختراق وانفراج كبيرين من تحت أنقاض انهيار كامل وتغيير مسار التاريخ.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE